حركة القائد احمد اخريرو الحزمري


  • مقدمة
بعد توقيع معاهدة الحماية في فاس سنة 1912 بدأت اسبانيا استعمار المغرب، فخرجت جيوشها من ثغر سبتة متوجهة جنوبا نحو تطوان، و بعد وصولها الى المدينة استطاعت هذه القواة دخولها دون اي مقاومة تذكر بل من العكس من ذالك استقبلها اهلها احسن استقبال يوم المولد النبوي الشريف و لبس اهلها احسن اللباس مرحبين بالمحتل عند باب المقابر ، و في هذا الصدد نترك لمؤرخي تطوان رحمة الله عليهما الفقيه الرهوني و الفقيه داود يخبرانا عن هذا الاستقبال .
اولا: دوّن مؤرخ تطوان الفقيه الرهوني في الجزء الثاني من مؤلفه "عمدة الراوين في تاريخ تطاوين" إستقبال التطوانيين للإسبان على مشارف أبوابها، و الذي خصص وجهائها يوما إحتفاليا أثناء دخولهم تطاون يوم 19 فبراير 1913 .
يقول الفقيه الرهوني : ان الدولة الاسبانية الفخيمة لما اتمت اتفاقية عام 1912 مع فرنسا عينت حاكم سبتة في حينه و هو الجنرال فيليبي الفا مقيما عاما في هذه المنطقة المحمية فقدم عاصمتها تطوان يوم الاربعاء 12 ربيع الاول عام 1313 هـ مصحوبا باركان حربه و عدة طوابير من الجيش الاسباني و الافريقي الذي كان مؤلفا بسبتة لهذا الغرض ، و احتل تطوان دخلا و خارجا احتلالا سلمية و تلقاه الناس احسن قبول و خطب فيهم خطبة بليغة.
أما المؤرخ محمد داود و في تعليقه على الصورة الموجودة في كتابه مختصر تاريخ تطوان فقد تطرق الى ما يلي :

و الصور ماخودة من الخلف، عندما وصل الموكب الى باب المقابر و يرى فيها( اي الصورة) عدد من اعيان البلد راكبيين دوابهم المسرجة و قد خرجو لاستقبال الحاكم الفاتح، ووقف الناس فيهم من هو مبهوت من هول الموقف و من هو متفرج لا يفرق بينه و بين صغار الاطفال الا من في وجهه من لحية او على راسه من عمامة، و منهم الذي كان يودع عهد الاستقلال الوطني و يستقبل عهد الحماية الاجنبية التي لم يكن احد يدري في ذالك العهد، هل ستنتشل البلاد من وهدتها و تسير بها في طريق العدل و النظام و الرقي و العمران ، ام سترمي بها في هاوية الاستعمار و الاستعباد.[1]

  • احتلال تطوان و ردود فعل الجبليين
إستطاعت القوات الإسبانية الوصول الى تطوان عبر طريق سبتة السليبة، و عندا وصلولهم الى المدينة لم يجدوا مقاومة تذكر أمامهم من طرف اهل تطوان، بل من العكس من ذالك، إستقبلهم أعيان المدينة ووجهائها عند مدخل باب المقابر بكل ترحيب و تبجيل وذالك يوم عيد المولد النبوي الشريف، فدخلها الاسبان دخول سلميا.
بعد هذه السيطرة الإسبانية، رأت هذه الدولة ضرورة إستكمال إحتلالها للمناطق المجاورة، فخرج من تطوان الجيش الإسباني متجها نحو الغرب. و يوم 11 يونيو 1913 هَجمت القواة الإسبانيةعلى منطقة اللوزيين فهزموهم المجاهدين حتى وصلو بهم الى أسوار تطوان [2]. لقد وجدوا في إستقبالهم رجال بدلوا النفس بالنفيس من أجل الدفاع عن بلادهم وقد  رفضوا الاستسلام للعدو.
 و بعد هذه المحاولة البائسة، عاودو الكرة[3] فلم يجدوا أمامهم سوى شريط دفاعي قوي من سكان بني حزمر و القبائل المجاورة، فعادو أدراجهم الى المدينة المحتلة .
 لقد أدرك أهل الجبل حقيقة هذا الإستعمار فلم يرحبوا بالمحتل الغاصب و لم يقبلو التعامل مع إرادته، في تلك الأثناء تأسست رباطات بنواحي تطوان إنطلقت منها حركة جهادية فعالة انبثق من صفوفها قادة تبنوا برنامجا نضاليا واضحا كان يدعوا الى مواجهة العدو و الصمود في وجهه[4] . و يعد احمد اسبوا اخريرو من القادة الذين واجهوا هذا المغتصب الاثيم وواجه الاسبان ببسالة بمعاونة رجال أكفاء من المجاهدين  الجبليين[5] .

  • حركة  أحمد اسبوا (اخريروا) .
عندما إستولى الإسبان على مدينة العرائش و القصر الكبير سنة 1911 وتطوان سنة 1913، لم يبقى لسكان قبائل الناحية الغربية من هذه المنطقة أمل في حكومة المخزن و لا في السلطان، فاعتمدو على الله في جهادهم و أخدوا على أنفسهم أن يدافعوا عن بلادهم دفاع الابطال.[6] فانشات رباطات جهادية في المنطقة، كان لها الاثر الكبير على نفسية المدافعين عن البلاد. و سادت فكرة أن الرضى بالاسباني كفر[7]. و تيقن المجاهدون أن الحل يكمن في الدفاع عن حوزة الوطن، فبرز رجال أكفاء بصموا التاريخ من خلال مقاومتهم للمحتل. فبرز القائد أحمد اخريروا  كقائد نضالي جمع تحته نخبة من خيرة رجال قبيلة بني حزمر لمقاومة الإسبان.
 ولد احمد بن محمد اسبوا بمدشر دار غازي بقبيلة بني حزمر حوالي 1898 [8] ، تاثر بسياسية رباط دار بن قريش والذي يكمن في محاربة العدو الغاصب . بدأ أعماله العسكرية ضد الإسبان في جبال المتاخمة لتطوان، و كانت لحركته و قعا ملموسا على القواة الاسبانية في تطوان، و بدأ يضيق الخناق عليها، و قد تعرض الإسباني فيكيراس لهذه المرحلة النضالية على أنها فتنة ولصوصية. و قد جاء أن حركته اختطفت سنة 1920 ضابطا من القناصة ينتمي الى حامية ازردوي حملوه الى الحصن وهذه الضربة اكسبت هذه الجماعة سمعة بين الاهالي .[9]
و في سنة 1921 و في إحدى عرصات ضاحية تطوان، إستطاع اخريروا رفقة المجاهدين الجبليين من إختطاف السيد علي السلاوي، مدير العام للإحباس و بنت الحاج أحمد الطريس باشا تطوان زوجة حفيد علي السلاوي فأخدوهم في ظلام الليل .[10]
 استطاع المجاهدون حصار تطوان من ناحية الجبال المطلة على المدينة، و تفيدنا روايات شفوية من مصادرموثوقة، أن هؤلاء المجاهدين نصبو مدفعا فوق جبال غرغيز المشرف على تطوان، و بالضبط في مدشر دار خنوس و بدأ هذا المدفع بقصف المدينة. بعد ذالك وصل رسول من تطوان يخبر المجاهدين أن مدفعهم لا يصيب الهدف جيدا و أخبرهم ان عليهم وضع المدفع قي مكان قريب شيئا  من المدينة حتى يستطيع التصويب الى الهدف ، و هذا ما تم فعلا و في هذه الاثناء يخبرنا الراوي ان مضادات بدأت تقصف المدفع[11] حتى اشعلو في النيران و انتهى أمره.[12]

  • انضمام حركة اخريروا للجبهة الريفية
لقد كانت قبائل الناحية الغربية و الناحية الجبلية و قبائل غمارة تعترف بزعامة مولاي احمد الريسوني[13] و كانت حركة القائد أحمد اخريروا منطوية تحت امرته، و لكن وصول المجاهدين الريفيين الى ناحية غمارة، أضاع نفود الشريف الريسوني فقد أعرض الناس عنه وولو وجوعهم شرط عبد الكريم[14] . وفي سنة 1924 انفصلت حركة احمد اسبوا الجبلية وانضمت الى المقاومة الريفية سالكة نفس النهج في مقاومة الغزاة تحت امرة الامير بن عبد الكريم الخطابي.
ضلت حركة المجاهدين تكبد الاسبان خسائر في عدة معارك خاصة في قبيلة بني حزمر.
 و ابتداءا من 14 شتنبر 1925 استمرت هذه المعارك في جنوب تطوان ما بين الجبليين و الاسبان الذين اندحرو و احتموا بثكنة كدية الطاهر انتظارا لوفود قوات اضافية ، فكان في الثكنة 200 من الاسبان فاصبحوا 34 فقط.[15]
لقد سارت على المنوال الحركة الجبلية لمجاهدي اخريروا و المنطوية تحت القيادة الريفية تحارب الإسبان في مناطق جبالة، و بعد التعاون الاسباني الفرنسي القاضي بحرب الأمير بن عبد الكريم الخطابي ، تمخض عنه استسلام الامير يوم 22 ماي 1962، وقدم نفسه الى رئيس الجيوش الفرنسية بتراكيست[16] . و قد احصي في اواخر شهر يونيو بان القبائل التي استسلمت لقوة الدولتين قد و قضعت ما يريد على 30 الف قطعة سلاحية من كل نوع، و بعد هذا التاريخ اكتشفت بانه لم يبقى إلّى قبائل صنهاجة و السرير و بني خالد و بني احمد و بني مسطارة التي تحمل السلاح و يتزعم حركة الثورة الريفية فيها السيدان، اخريروا و مولاي احمد البكار الذان كانا يحاربان الى جانب بن عبد الكريم[17].
ان البطل النمودجي اخريروا الذي كان بمثابة قائد قوات المجاهد بن عبد الكريم الخطابي لم يضع السلاح و كان يحيط به عدد من أبطال الجهاد[18] و استمر في العمليات العسكرية  ضد اسبانيا، فضاقت هذه الاخيرة الويلات من جراء بسالة المجاهدين الجبليين. مما اضطرت بالحكومة الإسبانية في يوليوز من سنة 1926 الى إرسال نجدات كبرى إلى تطوان بعدما هاجم اخريروا على واد لاو مع جيوش من مجاهدي بني حسان و بني حزمر[19]. و قد جاء في الوثائق الاسبانية ان منطقة جبالة كادت ان تكون مشكلة تختلف عن مشكلة الريف، فبعد استسلام بن عبد الكريم تمردوا، و ان اخريروا و البقالي و احمد بودرة و كورطيطو و الشريف المكي الوزاني يوجدون في مراكزهم و يرفضون الاستسلام.[20]
واصل القائد اخريروا القتال فدارت بينه و بين إسبانية معارك عديد، و يوم 3 نونبر 1962 وقعت معركة في مركز يسمى "كدية السبيط"، يقودها الإسباني سان خورخو، توقف القتال فجأة، و لم يفهم السبب، و اتضح فيما بعد ان البطل اخريروا قد لقي مصرعه في تلك المعركة و ان المجاهدين جميعا توقفوا، و حملوا جثمانه الى جبل العلم لدفنه[21]
  • خاتمة:
بعد موت القائد احمد اسبوا في ساحة الشرف توقت الحملات الجهادية و كان موته حدثا هاما تناقلته جميع الصحف الاسبانية، فقد مات خليفة الخطابي. و في العاشر من يوليوز من العام 1927 أعلن المقيم العام سان خورخو بباب تازة عن نهاية المقاومة المسلحة و التي دامت ثمانية عشر عاما.

صهيب فروج
يونيو2010

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 [1] محمد داود، مختصر تاريخ تطوان، ط2، تطوان1955، ص232
 [2]مذكرة التهامي الوزاني، المقاومة المسلحة و الحركة الوطنية في الشمال، تحقيق محمد بن عزوز حكيم، الرباط1980، ص89
 [3]المريني العياشي، النضال الجبلي، ج2 
[4]  عبد العزيز خلوق التمسماني، احتلال تطوان و ردود فعل الحركة الجهادية الجبلية(1913-1915)، منشورات المجلس البلدي لتطوان، تطوان في عهد الحماية 1912-1956، تطوان1992، ص24
 [5]حسب الروايات الشفوية ان اغلبهم من قبيلته و بالضبط من نواحي مدشره.(دار غازي الواديين او  تمزقت حرطة... الخ) او من القبائل المجاورة بني معدان الخ  
 [6] مذكرة التهامي الوزاني، المقاومة المسلحة و الحركة الوطنية في الشمال، تحقيق محمد بن عزوز حكيم، الرباط1980، ص36
 7] نفسه، ص 69[
[8] عبد العزيز خلوق التمسماني، اسماء مغمرورة لقادة الجهاد في المغرب  القائد احمد اخريرو الحزمري(1898-1926)،مجلة دار النيابة، العدد التاسع، ص 46
[9]  نفسه
[10]  عبد العزيز خلوق التمسماني، اسماء مغمرورة لقادة الجهاد في المغرب  القائد احمد اخريرو الحزمري(1898-1926)،مجلة دار النيابة، العدد التاسع، ص47
 11]و في رواية اخرى بالطائرات[
 12]من احد ابناء المجاهدين الذين شاركوا مع اخريروا في عملياته الجهادية. [
 13]مذكرة التهامي الوزاني، المقاومة المسلحة و الحركة الوطنية في الشمال، تحقيق محمد بن عزوز حكيم، الرباط1980، ص37[
 14] نفسه، ص99[
 [15]عبد الرحيم الورديغي، نهاية حرب الريف 1925-1926 ، الرباط1997،ص39
 مذكرة التهامي الوزاني، المقاومة المسلحة و الحركة الوطنية في الشمال، تحقيق محمد بن عزوز حكيم، الرباط1980، ص 103 [16]
 17]عبد الرحيم الورديغي، نهاية حرب الريف، 1925-1925، الرباط 1987، ص88[
18]  مصطفى العلوي، الحرب المغربية الفرنسية الاسبانية، 1906-1936،ج1،ط1، 1994 ،ص 376 [
 19]نفسه،ص 377[
 20]نفسه [
 [21] نفسه
ـــــــــــــــــــــــــــــــ

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire